إلى رحمة الله

السياسي والصحفي والمناضل ضدّ الاستعمار الإنجليزي

أنور علي الدهلويّ

1339-1429هـ = 1921 – 2008م

 

 

بعد مرض عاناه سنوات انتقل إلى رحمة الله تعالى السياسي والصحفي والمناضل ضد الاستعمار الإنجليزيّ وعضو المجلس العاصمي (Metropolitan Councilor) الأسبق لمدينة دهلي العاصمة أنور علي الدهلوي يوم الأثنين 4/جمادى الثانية 1429هـ الموافق 9/ يونيو 2008م بمدينة دهلي عن 89 من عمره ؛ فإنا لله وإنّا إليه راجعون .

       وقد دُفِنَ بمقبرة بوّابة دهلي العامّة بعد ما أُدِّيت الصلاة عليه في محيط الضريح الصابري بحيّ "درياكنج" المعروف بمدينة دهلي، وخلّف وراءه خمسة بنين وسبع بنات إلى جانب زوجته. وحضر الصلاةَ عليه نخبة من كبار رجال السياسة والثقافة والصحافة والخدمات الاجتماعيّة إلى جانب عدد وجيه من الشعب .

       كان السيّد أنور علي الدهلويّ يعاني عوارض المرض الكثيرة ومضاعفات الشيخوخة الزائدة منذ ثلاث سنوات ونصف. وُلِدَ في 26/ جمادى الأولى 1339هـ = 4/ يناير 1921م بحارة "جرخه والان" Charkha walan بمدينة دهلي القديمة ، وبها نشأ وشبّ وتعلّم وعاش حياته كلّها؛ فكان دهلويًّا قُحًّا ، ولم يكن دخيلاً على المدينة كمُعْظَم الدهلويّين اليومَ الذين نزحوا إليها من شتى أقطار الهند، وسكنوها ممارسين لشتى الأعمال .

       اتّصل أنور علي الدهلوي بركب النضال والسياسة منذ وقت مبكر من عمره، وتحرك في السياسة منضويًا تحت لواء حزب المؤتمر الذي كان له منذ اليوم الأوّل القِدْحُ المُعَلَّى بل الدور القياديّ في النضال ضدَّ الاستعمار الإنجليزيّ. ولمع اسمه وبرز رسمه وكان شابًّا يافعًا عندما ساهم بفعّاليّة لافتة في خدمة المسلمين عندما تفجّرت الاضطرابات الطائفيّة الشديدة في دهلي لدى تقسيم البلاد عام 1947م (1366هـ) وصُبَّت عليهم المصائب وجرى قتلهم بشكل عشوائي، حتى أقفرت دهلي من المسلمين ، وهبطت نسبتهم السكانيّة جدًّا، بعدما كانوا فيها أغلبيّة ساحقة. سهر أنور علي الدهلوي على توفير كل ما كان بوسعه لإراحة المتبقين من المسلمين جرحى مشردين في مخيمات متناثرة أو مختفين في بعض الأحياء. منذئذ برز أنور علي الدهلوي كرجل سياسة ناضج، فاستأثر به حزب المؤتمر واحتفى به أكثر من ذي قبل، وظلّ هو أيضًا وفيًّا له يجتهد لبسط نفوذه حتى في الشعب المسلم الذي أصيب بالإحباط في كثير من المراحل نظرًا للاستراتيجية النفاقيّة الازدواجيّة التي ظلّ يتعامل بها الحزب منذ يومه الأول، وكأن قوامه أُعِدَّ من النفاق والازدواجيّة .

       خلال مسيرته الطويلة مع حزب المؤتمر تضايق به الفقيد في بعض المراحل كثيرًا، فغادره إلى حزب "جان سانغ" الهندوسيّ اليميني المتعصب، وعلى ترشيحه خاض انتخابات العضوية لـ"المجلس العاصمي" عام 1967م (1387هـ) و 1972م (1392هـ) فكان أول عضو مسلم في المجلس العاصمي من قبل هذا الحزب الهندوسيّ . كنتُ في الفترة ما بين 1971م – و 1972م (1391-1392هـ) في دهلي طالبًا بالجامعة الأمينيّة الإسلاميّة، وكنتُ أسمع كثيرًا عن أنور علي الدهلي يذكره الشعب المسلم في الأغلب بانتقاد، لكونه قد شذّ عن الطريق السويّ للتحركات السياسيّة؛ حيث يعمل متحدثًا باسم الحزب الهندوسيّ الذي لايدع فرصة إلاّ ويكيل للشعب المسلم الصاعَ صاعين!؛ ولكنه كان في الوقت نفسه يوجد من يذكره بالخير ويثني على جدّه في المجالات السياسيّة وإسدائه الخير لشعبه المسلم؛ لكن السيدة إنديرا غاندي الراحلة رئيسة الوزراء الهندي سابقًا (م 31 أكتوبر 1984م/4 ربيع الأول 1405هـ) استمالتْه لحزبها فرضي بالانضمام إليه عام 1977م (1397هـ) ورشحته إنديرا غاندي لعضويّة الملجس العاصمي عام 1978م، فانتخب عضوًا له، وبعد ذلك لم ينفصل عن المؤتمر قطّ ؛ ولكنه مع تقدم السنّ والضائقة الماليّة عانى صعوبات كثيرة ؛ فلم يساعده الحزب بشيء على حين إنه وقف حياته على خدمته .

       إلى جانب عضويته في المجلس العاصمي ظلّ عضوًا في 34 لجنة حكوميّة مما يدلّ على فاعليّته وقدرته على إدارة الأمور وأهليته الإداريّة الفائقة كما ظلّ عبر مدة طويلة عضوًا في لجنة الحج المركزية، وفي هيئة الوقف بدهلي، ولجنة المقبرة بدهلي، واللجنة التنفيديّة لمؤسسة "دارالأطفال" الشهيرة بدهلي .

       وإلى ذلك ظلّ صحفيًّا نشيطا يكتب في الموضوعات السياسيّة والاجتماعيّة، واستهلّ عمله الصحفي بالكتابة في مجلة "بيشوا" – القائد – التي كان يصدرها السيد عزيز حسن البقائي، وكذلك جريدته "الحرية" الأسبوعيّة، التي كان ينشر بها مقالاته وكتاباته، وفي السنوات الأخيرة من عمره كان قد أنشأ صحيفة "عوام" الأردية اليومية التي أصدرها عبر 15 عامًا دونما انقطاع، ثم باعها بيد رئيس تحرير "نئ دنيا" – العالم الجديد – السيد شاهد الصديقي عضو البرلمان الهنديّ حاليًّا.

       وبخدماته السياسيّة والاجتماعيّة والصحفيّة والوطنيّة المكثفة الطويلة كان السيد أنور علي الدهلوي رجلاً فارع القامة؛ ومن ثم حزن عليه المواطنون في دهلي كثيرًا ، كما أبدى كبار القادة والساسة المسلمون وغير المسلمين أسفهم على موته، واعتبروا وفاته خسارة لاتُعَوَّض بالنسبة للشعب والوطن والملة الإسلاميّة. رحمه الله، وغفر زلاّته، وضاعف حسناته .

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ذو القعدة – ذوالحجة 1429هـ = نوفمبر–ديسمبر 2008م ، العـدد : 11-12 ، السنـة : 32